لا مرمى للكرة ولا أهداف تُحتسب للاعبين، كما لا حدود لمساحة الملعب ولا لعدد أفراد الفرق التي تتنافس في هذه اللعبة المهددة بالانقراض.
إنها لعبة تقليدية عريقة بموريتانيا يتنافس فيها لاعبون من فريقين للسيطرة على كرةٍ صغيرة الحجم تحمل اسم اللعبة: "تاگه"، وتوجيهِها بواسطة عصيّ مقوّسة من الجوانب يطلق على واحدتها "غورافه"، وتعتبر قدرات العدْو لدى اللاعبين أهم عوامل حسم النتيجة.
عرفت اللعبة رواجًا وإقبالا كبيرين في مناطق بدوية عديدة شرق وغرب موريتانيا، واستقطبت فئات الشباب منذ عهود غابرة، قبل أن يأفل نجمها خلال العقود الأخيرة حين زاحمتها كرة القدم في الاهتمام الرياضي للأجيال الشبابية الجديدة.
تشبه لعبة "تاگه" العديد من الألعاب الرياضية المعروفة على مستوى العالم وخصوصا لعبة "الهوكي" إذ تشتركان في حجم الكرة وشكل العصا، لكنهما تختلفان في التحكيم والقواعد العامة وفي أرضية الملعب وفي الوسائل التي يحتمي بها لاعبو "الهوكي" من خوذات ونعال وغيرها.
قواعد فريدة
"أمتلك مهارة عالية في صناعة الكرة المناسبة لهذه اللعبة وبأفضل المواصفات، كما أصمم العصا المقوسة من أغصان وجذور الأشجار"، يعلق إطول عمرو ولد أحمد متحدثا للأخبار، وهو صانع تقليدي من سكان ضواحي مدينة المذرذرة بولاية الترارزة.
تصنع كرة "تاگه" من قطعة جلود محشوة بالقماش أو غيره من المواد اللّينة والخفيفة وزنا، ويوضح الصانع التقليدي ولد أحمد أن "تاگه" المصنوعة من جلد الماعز تتشقق بسرعة ولا تدوم صلاحياتها إلا لأيام معدودة، بينما تصلح كرات جلد البقر للاستخدام طيلة عام كامل.
ويصنف لاعبو "تاگه" إلى: "حواص" و"رياظ"، فالأول يشبه في دوره المهاجم بلعبة كرة القدم ويشترط فيه أن يكون سريع العدو وصاحب لياقة عالية، أما الثاني فهو أقرب للمُدافع ويشترط أن يكون قوي البنية إذ يتمثل دوره في صدّ الهجمات وإعادة الكرة باتجاه أرض الخصم.
يُلقى بـ "تاگه" في حفرة ثم تخفى بالردم تحت التراب، ليتنافس اللاعبون في العثور عليها عبر عملية بحث عشوائي وبواسطة العصي المقوسة، قبل أن تبدأ مطاردة اللاعب الذي يعثر عليها من طرف أعضاء الفريق المنافس.
وحين تغرب الشمس تتضح نتيجة المباراة استنادًا إلى موقع "تاگه" في أراضي الفريقين المتنافسين، فالفوز يكون من نصيب الفريق الذي استطاع إبعاد الكرة عن أرضه وفرض مطاردتها داخل أرض منافسه، وفي كثير من الأحيان يكون الفريقان من أبناء قرى متجاورة.
وحسب الباحث في التراث الموريتاني د.الحسن ولد الحسن، فإن اللاعبين يتخذون من السهول المنبسطة ملاعب لـ "تاگه" حيث لا تصلح المناطق الجبلية لممارسة اللعبة، ويضيف أن مطاردة الكرة تمتد أحيانا إلى مسافة تصل لنحو 20 كلم في المباراة الواحدة.
تقليد غابر
نادي حماية تراث المذرذرة درّب فرقا شبابية لتخوض مباراة ودية في لعبة "تاگه" تحيي هذا التقليد الشعبي المهجور، وأدرج المباراة ضمن فقرات برنامج النسخة الثانية من مهرجانه الثقافي المنظم مطلع شهر يناير الجاري بالمدينة.
عن تاريخ اللعبة يوضح الباحث في التراث الموريتاني الحسن ولد الحسن، وهو أحد منظمي المهرجان، أن "تاگه" تعدّ من الألعاب التقليدية الموغلة في القدم بموريتانيا، حيث يصفها بأنها "من التراث الشعبي القديم في المنطقة، رغم غياب المعطيات التي تجعلني أجزم بتاريخ محدد لبداية انتشارها".
وبحسب تعبيره فإن بعض الروايات الشفوية تحيل إلى وجود اللعبة في القرن التاسع عشر في مناطق بجنوب غرب البلاد، ويَتوقع في حديث للأخبار أن "تاگه" تعود لما قبل تلك الفترة بكثير.
أما الشيخ ولد محمد وهو رجل خمسيني من سكان العاصمة نواكشوط، ومارس "تاگه" في شبابه، فيصنف هذه اللعبة بأنها "أهم الرياضات البدنية التي كانت تمارسها الأجيال القديمة من الموريتانيين"، ويشير إلى أنها تُكسب لاعبيها القوة البدنية والشجاعة وتحمل المصاعب، مع لياقة عالية وقدرات فائقة في المراوغة والعدْو.
يتحسس ولد محمد ساقيه وقدميه ويشير في حديث للأخبار إلى أن الأعطاب التي تعرض لها على مستوى الأطراف السفلية من جسمه تشهد أنه كان لاعبا وفيا لـ "تاگه"، التي كثيرًا ما يتعرض لاعبوها لمخاطر الإصابة جراء الاصطدام فيما بينهم وبسبب ضربات العصي وغيرها.
وتشير الروايات التاريخية إلى ارتباط لعبة "تاگه" ببعض الوقائع والأحداث، حيث كانت الرهانات توضع لنتائج مباراتها بين شباب القرى والمجموعات القبلية، وتحضر الجماهير للتفرج وتشجيع المتنافسين.